ميهمش هطول عليكم شوية بس ده لأن الموضوع هام جدا ويتعلق بمصيرنا جميعا
العنصر الثانى :
نماذج من خوف السلف الصالح من سوء الخاتمة
صح عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: "وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ"12 : (أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق! ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم "أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُون"13 )14
فالمؤمن جمع بين الإحسان والخوف والمنافق جمع بين التفريط والرجاء.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة"15.
وعن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الكيس16 من دان17 نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني"18.
فالرجاء المطلوب الممدوح هو المصحوب بالعمل الصالح وينبغي للمؤمن أن يتقلب بين الخوف والرجاء وهذا هو المراد بتحسين الظن بالله.
قال العلامة ابن القيم19 رحمه الله: (وقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور، وأن حسن الظن إن حمل على العمل، وحث عليه وساعده، وساق إليه فهو صحيح، وإن دعا إلى البطالة والإهمال في المعاصي فهو غرور، وحسن الظن هو الرجاء، فمن كان رجاؤه جاذباً له إلى الطاعة، زاجراً له عن المعصية، فهو رجاء صحيح، ومن كانت بطالته رجاء، ورجاؤه بطالة وتفريط، هو المغرور.
إلى أن قال:
ومما ينبغي أن يعلم أن من رجا شيئاً استلزم رجاؤه ثلاثة أمور:
أحدها: محبته ما يرجوه.
الثاني: خوفه من فواته.
الثالث: سعيه في تحصيله بحسب الإمكان.
وأما رجاء لا يقاربه شيء من ذلك فهو من باب الأماني.
والرجاء شيء والأماني شيء آخر. فكل راج خائف والسائر على الطريق إذا خاف أسرع السير مخافة الفوات.
إلى أن قال: والله سبحانه وصف أهل السعادة بالإحسان مع الخوف، ووصف الأشقياء بالإساءة مع الأمن، ومن تأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية الجد في العمل مع غاية الخوف، ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط والأمن).
ثم أخذ يمثل لذلك20:
1. أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
كان يقول: وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن ـ ذكره أحمد عنه.
وذكر عنه أيضاً أنه كان يمسك بلسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد21.
وكان يبكي كثيراً ويقول: ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا.
وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل.
وأتي بطائر، فأخذ يقلبه، ثم قال: ما صيد من صيد، ولا قطعت من شجرة إلا بما ضيعت من التسبيح.
ولما احتضر قال لعائشة: يا بنية إني أصبت من مال المسلمين هذه العباءة. وهذا الحلاب، وهذا العبد، فأسرعي به إلى ابن الخطاب.
وقال: والله، لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد22.
وقال قتادة: بلغني أن أبا بكر قال: ليتني خضرة تأكلني الدواب.
2. عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قرأ مرة سورة الطور إلى أن بلغ قوله تعالى "إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ"23 فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه.
وقال لابنه ـ عبد الله ـ وهو في سياق الموت: ويحك ضع خدي على الأرض عساه أن يرحمني، ثم قال: ويل أمي إن لم يغفر لي ثلاثاً، ثم قضى.
وكان يمر بالآية في ورده بالليل فتخنقه العبرة، فيبقى في البيت أياماً ويعاد ويحسبونه مريضاً.
وكان في وجهه رضي الله عنه خطان أسودان من البكاء.
وقال له ابن العباس: مَصَّر الله بك الأمصار، وفتح بك الفتوح، وفعل وفعل. فقال: وددت أني أنجو لا أجر ولا وزر.
وقال: ليتني كنت شعرة في صدر أبي بكر رضي الله عنهما.
3. عثمان بن عفان رضي الله عنه
كان إذا وقف على القبر يبكي حتى تبتل لحيته.
وقال: لو أنني بين الجنة والنار، لا أدري إلى أيهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رماداَ قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير.
4. علي بن أبي طالب رضي الله عنه
قد اشتهر خوفه وبكاؤه. وكان يشتد خوفه من اثنتين:
* طول الأمل.
* واتباع الهوى.
قال: فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق. ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة، والآخرة قد أسرعت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل.
قلت: هذه هي حال الخلفاء الراشدين الأربعة والأئمة المهديين وهم من المبشرين بالجنة، مع سابقتهم وجهادهم، وجليل أعمالهم.
5. أبو الدرداء رضي الله عنه
كان يقول رضي الله عنه: إن أشد ما أخاف على نفسي يوم القيامة أن يقال لي: يا أبا الدرداء قد علمتَ، فكيف عملتَ فيما علمت؟
وكان يقول: لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت، لما أكلتم طعاماً على شهوة، ولا شربتم شراباً على شهوة، ولا دخلتم بيتاً تستظلون فيه، ولخرجتم إلى الصعدات24 تضربون صدوركم وتبكون على أنفسكم.
وقال: وددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل.
6. أبو ذر الغفاري رضي الله عنه
الذي شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أصدق الخلق لهجة، وأنه أمة يوم القيامة يقول: ليتني كنت شجرة تعضد، وددت أنني لم أخلق، وعرضت عليه النفقة فقال: عندنا عنز نحلبها، وحمر ننقل عليها، ومحرر25 يخدمنا، وفضل عباءة، وإني أخاف الحساب فيها.
7. عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
كان أسفل عينيه مثل الشراك البالي من الدموع.
8. تميم الداري رضي الله عنه
قرأ ليلة سورة الجاثية، فلما أتى على هذه الآية:" أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ"26 جعل يرددها ويبكي حتى أصبح.
9. أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه
قال: وددت أني كبش فذبحني أهلي وأكلوا لحمي، وحسوا مرقي.
10. سفيان الثوري رضي الله عنه
كان سفيان الثوري رضي الله عنه يبول الدم من شدة خوفه من الله عز وجل. وكان يقول: عجبت كيف لم يقتلني الخوف؟!
وبكى ليلة إلى الصباح، فلما أصبح قيل له: أكل هذا خوفاً من الذنوب؟ فاخذ تبنة من الأرض وقال: الذنوب أهون من هذه، وإنما أبكي خوفاً من سوء الخاتمة.
قال ابن القيم رحمه الله: (وهذا من أعظم الفقه: أن يخاف الرجل أن تخدعه ذنوبه عند الموت، فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنة)27.
11. الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله
عرض له إبليس لعنه الله عند الاحتضار وقال له: لقد نجوتَ مني يا أحمد! فقال أحمد: لـَمَّا بَعْدُ.
12. إبراهيم التيمي رحمه الله
قال: ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذباً.
13. وقال ابن أبي مليكة رحمه الله
أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل أو ميكائيل.
14. وقال الحسن رحمه الله
ما خافه28 إلا مؤمن، وما أمنه إلا منافق.
نكتفي بهذا القدر ونقول: يا ترى ما الذي أخاف أولئك القوم وأمننا نحن مع تفريطنا وتقصيرنا إلا الغفلة وطول الأمل؟
من الذين يخشى عليهم من سوء الخاتمة؟
سوء الخاتمة إنما تكون لـ:
1. ممارس الأعمال الشركية.
2. مرتكب الكبائر.
3. مقدم على العظائم.
4. متهاون في الواجبات.
5. غافل عن هاذم اللذات، ومفرق الجماعات، وميتم البنين والبنات، ومؤيم الأزواج والزوجات.
6. معرض عن التوبة والمكفرات.
7. سادر في غيه إلى وقت الممات.
8. من آثر الفانية على الباقية.
أما من استقام حاله وطهر باطنه، وسلم قلبه من الشبه والشهوات، فالله أكرم أن يختم له بسوء.
قال الحافظ أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي رحمه الله: (واعلم أن لسوء الخاتمة ـ أعاذنا الله منها ـ أسباباً، ولها طرقاً، وأبواباً، أعظمها الانكباب على الدنيا، وطلبها، والحرص عليها، والإعراض عن الأخرى، والإقدام والجرأة على معاصي الله عز وجل. وربما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة، ونوع من المعصية، وجانب من الإعراض، ونصيب من الجرأة والإقدام، فملك قلبه، وسبى عقله، وأطفأ نوره، وأرسل عليه حُجبه. فلم تنفع فيه تذكرة، ولا تنجع فيه موعظة، فربما جاءه الموت على ذلك فسمع النداء من مكان بعيد، فلم يتبين له المراد ولا علم ما أراد، وإن كرر عليه الداعي وأعاد قوله.
إلى أن قال: واعلم أن سوء الخاتمة ـ أعاذنا الله تعالى منها ـ لا تكون لمن استقام ظاهره، وصلح باطنه، ما سمع بهذا ولا علم به ولله الحمد. وإنما تكون لمن له فساد في العقيدة وإصرار على الكبيرة، وإقدام على العظيمة. فبما غلب عليه ذلك حتى نزل به الموت قبل التوبة، فيأخذه قبل إصلاح الطوبة، ويصطلم قبل الإنابة، فيظفر به الشيطان عند تلك الصدمة، ويختطفه عند تلك الدهشة، والعياذ بالله)29.