صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أخبرنا الشيخ الجليل أحمد بن محمد بن الحسين بن محمد أبو الحسين فاذشاه قال أنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني قراءة عليه قال:
إسلام عدي بن حاتم
يكنى أبا طريف رضي الله عنه
حدثنا محمد بن صالح بن الوليد النرسي البصري قال ثنا يحيى بن محمد بن السكن قال ثنا إسحاق بن إدريس الأسواري قال ثنا سلمة بن علقمة المازني قال ثنا داود بن أبي هند عن عامر الشعبي عن عدي بن حاتم قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهاجر إليها جعل يبعث السرايا فلا يزال إبل قوم قد أغارت عليها خيلة فلما رأيت ذلك قلت: والله لو خلقت أجمالاً من إبلي، فكانت تكون قريباً، فوالله ما شعرت ذات يوم إذ راعي الإبل قد جاء يعدو بعصاه، قلت: ويلك ما لك ? قال: أغير والله على النعوم، قلت: من أغار عليها ? قال: خيل محمد، قلت لنفسي: هذا الذي كنت أحذر، فوثبت أرحل أجمالي أنجو بأهلي، وكنت نصرانياً ولي عمة فدخلت، فقلت: ما ترى يصنع بها ? وحملت إمرأتي، وجاءتني عمتي فقالت: يا عدي أما تتقي الله أن تنجو بإمرأتك وتدع عمتك، فقلت: ما عسى أن يصنعوا بها، إمرأة قد خلى من سنها، فمضيت ولم ألتفت إليها حتى وردت الشام، فانتهيت إلى قيصر وهو يومئذ بحمص، فقلت: إني رجل من العرب وأنا على دينك، وأن هذا الرجل ليتناولنا، فكان المفر إليك، قال: إذهب فانزل مكان كذا وكذا حتى نرى من رأيك، فذهبت فنزلت المكان الذي قال لي، فكنت به حيناً، فبينا أنا ذات يوم إذا أنا بظعينة متوجهة إلينا حتى انتهت إلى بيوتنا، فإذا هي عمتي، فقالت لي: يا عدي أما اتقيت الله أن تنجو بإمرأتك وتركت عمتك، قلت: قد كان ذلك، فأخبرينا ما كان بعدنا ? قالت: إنكم لما انطلقتم أتتنا الخيل فسبونا وذهب بي في السبي حتى انتهيت إلى المدينة، وكنا في ناحية من المسجد فمر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند القائلة وخلفه رجل يتبعه وهو علي بن أبي طالب، فأومأ إلى ذلك الرجل أن كلميه، فهتفت به فقلت: يا رسول الله هلك الولد وغاب الوافد فمن علي من الله عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن وافدك ? قلت: عدي بن حاتم قال: الذي فر من الله ورسوله ثم مضى ولم يلتفت إلي حتى كان الغد فمر بي نحو تلك الساعة وخلفه ذلك الرجل فأومأ إلي أن كلميه، فهتفت به فقلت: يا رسول الله هلك الولد وغاب الوافد فمن علي من الله عليك، قال: ومن وافدك ? قلت: عدي بن حاتم الطائي، قال: الذي فر من الله ورسوله ? ولم يلتفت إلي، فلما كان اليوم الثالث نحواً من تلك الساعة مر وخلفه ذاك يعني علياً، فأومأ أن كلميه فأومأت إليه بيدي أن قد كلمته مرتين فأومأ كلميه أيضاً، فهتفت به فقلت: يا رسول الله هلك الولد وغاب الوافد فمن علي من الله عليك، قال: ومن وافدك ? قلت: عدي بن حاتم قال: الذي فر من الله ورسوله ثم قال: إذهبي فأنت حرة لوجه الله عز وجل فإذا وجدت أحداً يأتي أهلك فأخبريني نحملك إلى أهلك، قالت: فانطلقت فإذا أنا برفقة من تنوخ يحلمون الزيت، فباعوا زيتهم وهم يرجعون، فحملني على هذا الجمل وزودني.
قال عدي: ثم قالت لي عمتي: أنت رجل أحمق، أنت قد غلبك على شرفك من قومك من ليس مثلك، ائت هاذ الرجل فخذ بنصيبك، فقلت: وإنه لقد نصحت لي عمتي، فوالله لو أتيت هذا الرجل فإن رأيت ما يسرني أخذت، وإن رأيت غير ذلك رجعت، وكنت أضن بديني، فأتيت حتى وصلت المدينة في غير جوار، فانتهيت إلى المسجد فإذا أنا فيه بحلقة عظيمة، ولم أكن قط في قوم إلا عرفت، فلما إنتهيت إلى الحلقة سلمت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنت ? قلت: أنا عدي بن حاتم الطائي، وكان أعجب شيء إليه أن يسلم عليه أشراف العرب ورؤوسهم، فوثب من الحلقة فأخذ بيدي فوجه بي إلى منزله، فبينا هو يمشي معي إذ نادته إمرأة وغلام معها يا رسول الله إن لنا إليك حاجة، فخلوا به قائماً معهما حتى أويت له من طول القيام، قلت في نفسي أشهد إنك بريء من ديني ودين النعمان بن المنذر، وإنك لو كنت ملكاً لم يقم معه صبي وإمرأة طول ما رأى، فقذف الله في قلبي له حباً، حتى إنتهيت إلى منزله، فألقى إلي وسادة حشوها ليف، فقعدت عليها، وقعد هو على الأرض فقلت في نفسي: وهذا ثم قال لي: ما أفردك من المسلمين إلا أنك سمعتهم يقولون لا إله إلا الله ? وهل من إله إلا الله ? وما أفردك من المسلمين ? إلا أنك سمعتهم يقولون الله أكبر فهل تعلم شيئاً هو أكبر من الله عز وجل ? فلم يزل حتى أسلمت وأذهب الله عز وجل ما كان في قلبي من حب النصرانية، فسألت فقلت: يا رسول الله أنا بأرض صيد وأن أحدنا يرمي الصيد بسهمه لم يقتص أثره ليوم أو ليومين ثم يجده ميتاً في سهمه فيأكله ? قال: نعم إن شاء.
حدثنا أبو مسلم الكشي قال ثنا عبد الرحمن بن حماد الشعيثي قال ثنا ابن عون.... عن محمد بن سيرين عن أبي عبيدة بن حذيفة عن رجل كان يسمى أيمن أنه دخل على عدي بن حاتم فقال: إنه بلغني عنك حديث فأحببت أن أسمعه منك قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت من أشد الناس له كراهية، كنت بأقصى أرض العرب مما يلي الروم، فكرهت مكاني أشد من كراهتي مكاني الأول، فقلت: لآتين هذا الرجل، فإن كان صادقاً لا يخفى علي، وإن كان كاذباً لا يخفى علي: فأتيت المدينة فاستشرفني الناس فقالوا: عدي بن حاتم عدي بن حاتم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عدي أسلم تسلم، قلت: لي دين قال: أنا أعلم بدينك منك، وما أنت أعلم بديني مني ألست ترأس قومك ? قال قلت: بلى، قال: ألست تأخذ المرباع ? قلت: نعم، قال: ذلك لا يحل لك في دينك قال: وكان ذلك أذهب ببعض ما في نفسي، قال: إنه يمنعك أن تسلم محاسبة من ترى حولنا وأنك ترى الناس علينا ألباً واحداً ? قلت: نعم، قال: أتيت الحيرة ? قلت: لا، وقد علمت مكانها قال: توشك الظعينة أن تخرج من الحيرة حتى تطوف البيت بغير جوار، ويوشك أن تفتح كنوز كسرى بن هرمز قلت: كنوز كسرى بن هرمز ? قال: كنوز كسرى. ويوشك الرجل أن يخرج المال من ماله لا يجد من يقبلها قال: فقد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة حتى تطوف بالبيت بغير جوار، وكنت في أول خيل أغارت على السواد، والله لتكونن الثالثة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إسلام جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه
حدثنا أحمد بن داود المكي قال ثنا إسماعيل بن مهران الواسطي قال ثنا زياد بن عباد المذحجي عن عمر بن موسى عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس، فقال يوماً: يطلع عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن عليه مسحة ملك فطلع جرير بن عبد الله البجلي في أحد عشر راكباً من قومه، فعلقوا ركابهم ثم دنوا فقال جرير: السلام عليكم يا معشر قريش أين رسول الله صلى الله عليه وسلم ? فقال نبي الله عليه السلام: يا جرير أسلم تسلم إن غلظ القلوب والجفاء والحوب في أهل الوبر والصوف، يا جرير إنك لا تستحق حقيقة الإسلام ولا تستكمل بعد الإيمان حتى تدع عبادة الأوثان، يا جرير إني أحذرك الدنيا وحلاوة رضاعها ومرارة فطامها قال جرير: يا رسول الله أدع الله أن يشرح صدري للإسلام فقال: اللهم إشرح صدره للإسلام ولا تجعله من أهل الردة ولا تكثر له فيطغى، ولا تملي له فينسى، قال جرير: فما الذي أتيت وإني أريد أن أسألك عنه ? قال: أتيت وأنت تريد أن تسألني عن حق الوالد على ولده، إن من حق الوالد على ولده أن يخضع له في الغضب وأن يؤثره في الرضا، ومن حق الوالد على ولده أن يحسن أدبه ولا يجحد نسبه، إن المكافىء ليس بالواصل، إنما الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها فقال: والذي بعثك بالحق هذا أردت أن أسألك عنه، ما أردت أن أسألك عن شيء غيره، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله، قال: أين تنزلون يا جرير ? قال: في أكناف ببيشة بين سلم وأراك، وسهل ودكداك، وحموض وتملاك ونخلة وضالة، وسدرة وآءة، ونجمة وأمثلة، شتاؤنا ربيع، وربيعنا لسريع، وماؤنا منبع، لا يقام ما تحتها، ولا يحسر صابحها، ولا يعزب سارحها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما أن خير الماء الشبم، وخير المال الغنم، وخير المرعى الأراك والسلم، إذا أخلف كان لجيناً، وإذا أكل كان لبيناً يسيراً، وإذا سقط كان دريناً، فقال جرير: يا رسول الله أخبرني عن السماء الدنيا والأرض السفلى، قال: خلق الله السماء الدنيا من الموج الملفوف، وحففها بالنجوم، وجعلها رجوماً للشياطين، وحفظاً من كل شيطان رجيم، وخلق الأرض السفلى من الزبد الحبار والماء الكبار، وجعلها فوق صخرة على ظهر حوت، يخرج منها الماء، فلو انخرق منها خرق لأدرت الأرض ومن عليها، سبحان خالق النور قال جرير: يا رسول الله أبسط يدك أبايعك، فبسط يده، فقال: يا رسول الله ما أعتقد ? قال: تعتقد أن لا إله إلا الله وأني عبد الله ورسوله قال: نعم قال: وأنت تقيم الصلاة وتؤدي الزكاة قال: نعم قال: وأن تصوم رمضان وتحج البيت قال: نعم قال: وأن تغتسل من الجنابة قال: نعم قال: وأن تسمع وتطيع وإن كان عبداً حبشياً قال: نعم.
حدثنا محمد بن علي الصائغ المكي قال ثنا محمد بن مقاتل المروزي قال ثنا حصين بن عمر الأحمسي عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أتيته فقال: لأي شيء جئت يا جرير ? قلت: جئت لأسلم على يديك يا رسول الله، قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وتقيم الصلاة المكتوبة، فألقى لي كساءه ثم أقبل على أصحابه ثم قال: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.
إسلام أبي ذر الغفاري
رضي الله عنه
حدثنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي الدمشقي قال ثنا محمد بن عابد قال ثنا أبو طرفة عباد بن الريان اللخمي قال سمعت عروة بن رويم اللخمي يقول حدثني عامر بن كدين الأشعري قال سمعت أبا ليلى الأشعري يقول حدثني أبو ذر قال:
إن أول ما دعاني إلى الإسلام أنا كنا قوماً عرباً فأصابتنا السنة فاحتملت أمي وأخي وكان اسمه أنيساً إلى أصهار لنا بأعلى نجد، فلما حللنا بهم أكرمونا، فلما رأى ذلك رجل من الحي، مشى إلى خالي فقال: تعلم أن أنيساً يخالفك إلى أهلك، قال: فحز في قلبه فانصرفت من رعية الإبل فوجدته كئيباً يبكي، فقلت: ما بكاؤك يا خال ? فأعلمني الخبر فقلت: حجز الله من ذلك إنا نعاف الفاحشة وإن كان الزمان قد أخل بنا، ولقد كدرت علينا صفو ما ابتدأتنا به، ولا سبيل إلى اجتماع، فاحتملت أمي وأخي حتى نزلنا بحضرة مكة، فقال أخي: إنى مدافع رجلاً على الماء بشعر، وكان رجلاً شاعراً، فقلت: لا تفعل، فخرج به اللجاج حتى دافع دريد بن الصمة صرمته إلى صرمته وأيم الله لدريد يومئذ أشعر من أخي، فتقاضينا إلى خنساء فقضت لأخي على دريد، وذلك أن دريداً خطبها إلى أبيها فقالت: شيخ كبير لا حاجة لي فيه، فحقدت ذلك عليه، فضممنا صرمته إلى صرمتنا، وكانت لنا هجمة، ثم أتيت مكة، فابتدأت بالصفا، فإذا عليه رجالات قريش وقد بلغني أن بها صائباً أو مجنوناً أو شاعراً أو ساحراً، فقلت: أين هذا الذي تزعمونه ? قالوا: هو ذاك حيث ترى، فانقلبت إليه ما جزت عنهم قيس حجر فوالله أكبوا على كل حجر وعظم ومدر وضرجوني بدمي فأتيت البيت فدخلت بين الستور والبناء وصومت فيه ثلاثين يوماً لا أكل ولا شراب إلا من ماء زمزم، حتى إذا كانت ليلة قمراء أضحيان أقبلت إمرأتان من خزاعة وطافتا بالبيت، ثم ذكرتا أسافا ونائلة وهما وثنان وكانوا يعبدونهما، فأخرجت رأسي من تحت الستور، فقلت احملا أحدهما على صاحبه، فغضبتا ثم قالتا: أم والله لو كانت رجالنا حضوراً ما تكلمت بهذا، ثم ولتا فخرجت أقفو آثارهما حتى لقيتا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما أنتما ? ومن أين أنتما ? ومن أين جئتما، وما جاء بكما ? فأخبرتاه الخبر، فقال: أين تركتما الصحابيء ? فقالتا: تركناه بين الستور والبناء، فقال لهم: هل قال لكما شيئاً ? قالتا: نعم تكلم بكلمة تملأ الفم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انسلتا وأقبلت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه عند ذلك فقال: من أنت? وممن أنت ? ومن أين جئت وما جاء بك ? فأنشأت أعلمه الخبر، فقال: من ما كنت تأكل وتشرب ? فقلت: من ماء زمزم فقال: أما إنه طعام طعم ومعه أبو بكر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله إئذن لي أن أضيفه، قال: نعم ? ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وأخذ أبو بكر بيدي حتى وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بباب أبي بكر ثم دخل أبو بكر بيته، ثم أتى بزبيب من زبيب الطائف فجعل يلقيه لنا قبضا قبضا ونحن نأكل منه حتى تملأنا منه، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر فقلت: لبيك، فقال: إما إنه قد رفعت لي أرض وهي ذات نخل لا أحسبهما إلا تهامة، فأخرج إلى قومك فادعهم إلى ما دخلت فيه قال: فخرجت حتى أتيت أمي وأخي فأعلمتها الخبر، فقالا: ما بنا رغبة عن الدين الذين دخلت فيه، فأسلما ثم خرجنا حتى أتينا المدينة فأعلمت قومي فقالوا: إنا قد صدقناك، ولكنا نلقى محمداً، فلما قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيناه، فقالت له غفار: يا رسول الله إن أبا ذر قد أعلمنا ما أعلمته، وقد أسلمنا وشهدنا إنك رسول الله، ثم تقدمت أسلم خزاعة فقالوا: يا رسول الله إنا قد رغبنا ودخلنا فيما فيه أخواتنا وحلفاؤنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها ثم أخذ أبو بكر بيدي فقال: يا أبا ذر فقلت: لبيك يا أبا بكر فقال: هل كنت تأله في جاهليتك ? قلت: نعم لقد رأيتني أقوم عند الشمس فلا أزال مصلياً حتى يؤذيني حرها، فأخر كأني خفاء، فقال لي: فأين كنت توجه ? قلت: لا أدري إلا حيث وجهني الله حتى أدخل الله علي الإسلام.
إسلام زيد بن سعنة
رضي الله عنه
حدثنا أحمد بن علي الأبار البغدادي قال ثنا محمد بن أبي السري العسقلاني قال ثنا الوليد بن مسلم قال ثنا محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده قال:
لما أراد الله تعالى هدى زيد بن سعنة قال زيد بن سعنة ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا إثنتين لم أخبرهما منه، يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، فكنت ألطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه من جهله.
قال زيد بن سعنة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الحجرات ومعه علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، فأتاه رجل على راحلته كالبدوي فقال: يا رسول الله إن بصرى قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام، وكنت حدثتهم أن أسلموا أتاهم الرزق وأصابتهم سنة وشدة وقحوط من الغيث فأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعاً كما دخلوا فيه طمعاً، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء تعينهم به فعلت، فنظر إلى رجل إلى جانبه أراه علياً، فقال: يا رسول الله ما بقي منه شيء، قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه، فقلت: يا محمد هل لك أن تبيعني تمراً معلوماً من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا ? فقال: لا يا يهودي ولكني أبيعك تمراً معلوماً إلى أجل كذا وكذا ولا يسمي حائط بني فلان قلت: نعم فبايعني فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا، فأعطاها الرجل فقال: أعجل عليهم وأعنهم بها، فإن زيد بن سعنة، فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ فقلت له: إلا تقضيني يا محمد حقي فوالله ما علمتكم يا بني عبد المطلب لمطل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم، ونظرت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره وقال: يا عدو الله تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع وتصنع به ما أرى ? فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر قوته لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم، ثم قال: يا عمر أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن التباعة إذهب به يا عمر فأعطه حقه وزده عشرين صاعً من تمر مكان ما رعته.
قال زيد: فذهب بي عمر رضي الله عنه فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعاً من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر ? فقال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رعتك، قلت: وتعرفني يا عمر ? قلت: لا من أنت ? قلت: أنا زيد بن سعنة قال: الحبر ? قلت: الحبر قال: فما دعاك أن فعلت برسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلت وقلت له ما قلت ? يا عمر لم يكن من علامات النبوة شيء إلا قد عرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه، يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، فقد اختبرتهما فأخبرك يا عمر أني قد رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وأشهدك أن شطر مالي فإني أكثرها مالاً صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال عمر: أو على بعضهم فإنك لا تسعهم، قلت: وعلى بعضهم فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وآمن به وصدقه وبايعه وشهد معه مشاهد كثيرة، ثم توفي زيد رضي الله عنه في غزوة تبوك مقبلاً غير مدبر رضي الله عنه.
إسلام عبد الله بن سلام
رضي الله عنه
حدثنا محمد بن العباس المؤدب مولى بني هاشم البغدادي ثنا عفان بن مسلم قال ثنا حماد بن سلمة عن ثابت ... وحميد عن أنس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخبر عبد الله بن سلام بقدومه وهو في نخله فأتاه فقال: إني أسائلك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي، فإن أخبرتني بها آمنت بك، وإن لم تعلمهن عرفت أنك لست بنبي، قال: وما هو ? فسأله عن الشبه وعن أول شيء يأكل أهل الجنة، وعن أول شيء يحشر الناس ? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرنيهن جبريل عليه السلام آنفاً قال: ذاك عدو اليهود قال: أما الشبه فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة ذهب بالشبه وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل ذهبت بالشبه، وأما أول شيء يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما أول شيء يحشر الناس فيه فنار تجيء من قبل المشرق فتحشرهم إلى المغرب. فآمن وقال: أشهد أنك رسول الله.
قال عبد الله بن سلام: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت وإن هم سمعوا بإسلامي بهتوني فأخبئني عندك وابعث إليهم فخبأه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث إليهم فجاؤوا فقال: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم ? فقالوا: خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا، قال: أرأيتم إن أسلم أتسلمون ? قالوا: أعاذه الله من ذلك، فقال: يا عبد الله بن سلام اخرج إليهم فأخبرهم فخرج إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، قالوا: بل شرنا وابن شرنا وجاهلنا وابن جاهلنا، قال ابن سلام: قد أخبرتك يا رسول الله أن اليهود قوم بهت.