وفُرش أهل النار نار
قال تعالي : ( لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ )(لأعراف:41)
أي فرش من النار ويلتحفون بألحفة من النار عياذا بالله من حالهم
وقال تعالي : ( لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ )(الزمر: 16)
أي أطباق وفراش ومهاد وسرادقات ، وإطلاق الظلل عليها تهكما ، فهي محدقة محيطة بهم من كل جانب والعياذ بالله قال تعالي : ( انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ) (المرسلات:30-31)
وعن عذاب أهل النار يقول محمد بن كعب : لأهل النار خمس دعوات يجيبهم الله عز وجل في أربعة فإذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها أبداً
يقولون : ( قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (غافر:11)
فيقول الله تعالي مجيبا لهم : ( ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) (غافر:12)
ثم يقولون : ( رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً )(السجدة: 12)
فيجيبهم الله تعالي : ( أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ )(ابراهيم: 44)
فيقولون : ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَل )(فاطر: 37) فيجبهم الله تعالي : ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (فاطر:37) ثم يقولون : ( رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ ) (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ) (المؤمنون:107)
فيجيبهم الله تعالي : ( اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ ) (المؤمنون: 108)
فلا يتكلمون فيها بعدها أبداً وذلك غاية شدة العذاب
وقال مالك بن أنس : قال زيد بن أسلم في قوله تعالي : ( سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ) (ابراهيم:21)
قال : صبروا مائة سنة ، ثم جزعوا مائة سنة ، ثم صبروا مائة سنة ثم قالوا : (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ )
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله e : (( يؤتى بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار ، ويقال يأهل الجنة خلود بلا موت ، ويا أهل النار خلود بلا موت )) (1)
وعن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما قال : ( إن أهل النار يدعون مالكا ، فلا يجيبهم أربعين عاماً ، ثم يقول : إنكم ماكثون ثم يدعون ربهم فيقولون : ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ) فلا يجيبهم مثل الدنيا ثم يقول : (اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ ) ثم ييأس القوم ، فما هو إلا الزفير والشهيق ، تشبه أصواتهم أصوات الحمير ، أولها زفير وآخرها شهيق )(2)
وعن عبد الله بن قيس رضي الله عنه : أن رسول الله e قال : إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم ، لجرت ، وإنهم ليبكون الدم ( يعني : مكان الدموع ) (3)
وقال تعالي : ( وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ) (الحج:21)
وقال تعالي : ( إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ) (غافر:71-72)
وقال تعالي : ( إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً ) (المزمل:12)
وقال تعالي : ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ )
إن أهل النار إذا ألقوا فيها يكادون يبلغون قعرها ، يلقاهم لهبها فيردهم إلي أعلاها ، حتى إذا كادوا يخرجون تلقتهم الملائكة بمقامع من حديد فيضربونهم بها قال الله عز وجل : ( كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا ) (السجدة: 20)
فهم كما قال الله تعالي :
( عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً )
قال تعالي : ( وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) (ابراهيم:17)
يعطيه الله كتابه بشماله أو من وراء ظهره ، ويسود وجهه ، ويُكسَى سرابيل القطران ويقال له انطلق إلي أمك الهاوية . إلي جهنم والعياذ بالله فاخبر من هم علي شاكلتك .. بهذا المصير .. فينطلق وقد اسود وجهه في أرض المحشر وهو يبكي ويصرخ ويقول :
( يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ )
(الحاقة:25-29)
يقف ذليلاً أمام رب العالمين جزاءً وفاقاً لكبره واستعلائه وإعراضه عن منهج الله عز وجل
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي e قال :
(( إن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أشباه الذَّرِّ في صُورَ الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون حتى يدخلوا سجنا في جهنم ، يقال له : بولَس تعلوهم نار الأنيار يُسْقوَنَ من عصارة أهل النار طينة الخبال )) (1)
قيل يا رسول الله : وما طينة الخبال ؟ قال : صديد أهل النار .
أحبتي في الله .
فكما أن الجنة تشتاق لأهلها من المؤمنين الصادقين فإن النار تشتاق بل تطلب المزيد من أهلها من المجرمين والظالمين والكافرين . !!!
ففي صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه ، عن النبي e قال :
(( لا تزال جهنم يلقي فيها وتقول هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة قدمه فيها فينزوي بعضها إلي بعض وتقول : قط قط وعزتك وكرمك ، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقاً فيسكنهم فضل الجنة ))(2)
اللهم أجرنا من النار .. اللهم أجرنا من النار وأدخلنا الجنة يا غفار .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله e : (( ما استجار عبد من النار سبع مرات إلا قالت النار : يارب إن عبدك فلاناً استجار مني فأجره ، ولا سأل عبد الجنة سبع مرات إلا قالت الجنة : يارب إن عبدك فلاناً سألني فأدخله الجنة )) (3)
فيا أيها اللاهي .. ويا أيها الساهي .. يا من غرتك المعاصي وشغلك الشيطان عن طاعة الله احذر فإنها نار تلظى :
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
قال ابن عيينه : قال ابراهيم التيمى :
مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأعانق أبكارها ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها
فقلت لنفسي : أي شيء تريدين ؟
قالت أريد أن ارجع إلي الدنيا فأعمل صالحاً
قال : فأنت في الأمنية فاعملي .
ونحن والله في الأمنية فيا من قصرت في طاعة الله عز وجل اعمل للآخرة قبل أن تطلب العودة ولن تستطيع ، فكل من قصر في طاعة الله عز وجل في الدنيا يطلب العودة إليها كلما عاين أمور الآخرة وترك دار العمل إلي دار الحساب .
قال تعالي : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ) (المؤمنون:99)
وقال تعالي : ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ ) (السجدة:12)
وقال تعالي : ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِير) (فاطر: 37)
أسأل الله العظيم أن يختم لنا بالإيمان وأن يبعدنا عن النيران وأن يدخلنا جنة الرحيم الرحمن إنه ولي ذلك والقادر عليه .
…… الدعاء
(1) رواة البخاري (11/415) في الرقاق باب صفة الجنة والنار ، ومسلم في صفة الجنة .
(2) رواه الطبراني ورواته محتج بهم في الصحيح قاله المنذري في الترغيب (6/265) .
(3) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (1679)
(1) أخرجه الترمذى رقم (2494) في صفة القيامة باب رقم (48) وقال الترمذى : هذا حديث حسن وأخرجه ابن المبارك (52) في الزهد ، وأحمد (2/178) وابن أبي الدنيا (240) في الأهوال وابن أبي شيبة (9/90) والبغوى (4590) في شرح السنة ، والبخاري في الأدب المفرد والبيهقى في شعب الإيمان (8183)
(2) رواه البخاري (8/456) في تفسير سورة (ق) وفي الإيمان والنذور ، وفي التوحيد ، ومسلم رقم (2848) في الجنة ، باب النار يدخلها الجبارون ، والجنة يدخلها الضعفاء ، والترمذى رقم 3268 في التفسير باب ومن سورة (ق)
(3) قال المنذرى في الترغيب (6/229) : رواه أبو يعلى بإسناد علي شرط البخاري ومسلم .
قال تعالي : ( لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ )(لأعراف:41)
أي فرش من النار ويلتحفون بألحفة من النار عياذا بالله من حالهم
وقال تعالي : ( لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ )(الزمر: 16)
أي أطباق وفراش ومهاد وسرادقات ، وإطلاق الظلل عليها تهكما ، فهي محدقة محيطة بهم من كل جانب والعياذ بالله قال تعالي : ( انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ) (المرسلات:30-31)
وعن عذاب أهل النار يقول محمد بن كعب : لأهل النار خمس دعوات يجيبهم الله عز وجل في أربعة فإذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها أبداً
يقولون : ( قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (غافر:11)
فيقول الله تعالي مجيبا لهم : ( ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) (غافر:12)
ثم يقولون : ( رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً )(السجدة: 12)
فيجيبهم الله تعالي : ( أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ )(ابراهيم: 44)
فيقولون : ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَل )(فاطر: 37) فيجبهم الله تعالي : ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (فاطر:37) ثم يقولون : ( رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ ) (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ) (المؤمنون:107)
فيجيبهم الله تعالي : ( اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ ) (المؤمنون: 108)
فلا يتكلمون فيها بعدها أبداً وذلك غاية شدة العذاب
وقال مالك بن أنس : قال زيد بن أسلم في قوله تعالي : ( سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ) (ابراهيم:21)
قال : صبروا مائة سنة ، ثم جزعوا مائة سنة ، ثم صبروا مائة سنة ثم قالوا : (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ )
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله e : (( يؤتى بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار ، ويقال يأهل الجنة خلود بلا موت ، ويا أهل النار خلود بلا موت )) (1)
وعن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما قال : ( إن أهل النار يدعون مالكا ، فلا يجيبهم أربعين عاماً ، ثم يقول : إنكم ماكثون ثم يدعون ربهم فيقولون : ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ) فلا يجيبهم مثل الدنيا ثم يقول : (اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ ) ثم ييأس القوم ، فما هو إلا الزفير والشهيق ، تشبه أصواتهم أصوات الحمير ، أولها زفير وآخرها شهيق )(2)
وعن عبد الله بن قيس رضي الله عنه : أن رسول الله e قال : إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم ، لجرت ، وإنهم ليبكون الدم ( يعني : مكان الدموع ) (3)
وقال تعالي : ( وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ) (الحج:21)
وقال تعالي : ( إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ) (غافر:71-72)
وقال تعالي : ( إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً ) (المزمل:12)
وقال تعالي : ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ )
إن أهل النار إذا ألقوا فيها يكادون يبلغون قعرها ، يلقاهم لهبها فيردهم إلي أعلاها ، حتى إذا كادوا يخرجون تلقتهم الملائكة بمقامع من حديد فيضربونهم بها قال الله عز وجل : ( كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا ) (السجدة: 20)
فهم كما قال الله تعالي :
( عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً )
قال تعالي : ( وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) (ابراهيم:17)
يعطيه الله كتابه بشماله أو من وراء ظهره ، ويسود وجهه ، ويُكسَى سرابيل القطران ويقال له انطلق إلي أمك الهاوية . إلي جهنم والعياذ بالله فاخبر من هم علي شاكلتك .. بهذا المصير .. فينطلق وقد اسود وجهه في أرض المحشر وهو يبكي ويصرخ ويقول :
( يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ )
(الحاقة:25-29)
يقف ذليلاً أمام رب العالمين جزاءً وفاقاً لكبره واستعلائه وإعراضه عن منهج الله عز وجل
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي e قال :
(( إن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أشباه الذَّرِّ في صُورَ الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون حتى يدخلوا سجنا في جهنم ، يقال له : بولَس تعلوهم نار الأنيار يُسْقوَنَ من عصارة أهل النار طينة الخبال )) (1)
قيل يا رسول الله : وما طينة الخبال ؟ قال : صديد أهل النار .
أحبتي في الله .
فكما أن الجنة تشتاق لأهلها من المؤمنين الصادقين فإن النار تشتاق بل تطلب المزيد من أهلها من المجرمين والظالمين والكافرين . !!!
ففي صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه ، عن النبي e قال :
(( لا تزال جهنم يلقي فيها وتقول هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة قدمه فيها فينزوي بعضها إلي بعض وتقول : قط قط وعزتك وكرمك ، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقاً فيسكنهم فضل الجنة ))(2)
اللهم أجرنا من النار .. اللهم أجرنا من النار وأدخلنا الجنة يا غفار .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله e : (( ما استجار عبد من النار سبع مرات إلا قالت النار : يارب إن عبدك فلاناً استجار مني فأجره ، ولا سأل عبد الجنة سبع مرات إلا قالت الجنة : يارب إن عبدك فلاناً سألني فأدخله الجنة )) (3)
فيا أيها اللاهي .. ويا أيها الساهي .. يا من غرتك المعاصي وشغلك الشيطان عن طاعة الله احذر فإنها نار تلظى :
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب
وغرور دنياك التي تسعي لها دارٌ حقيقتها متاع يذهب
الليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيهما تعد وتحسب
قال ابن عيينه : قال ابراهيم التيمى :
مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأعانق أبكارها ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها
فقلت لنفسي : أي شيء تريدين ؟
قالت أريد أن ارجع إلي الدنيا فأعمل صالحاً
قال : فأنت في الأمنية فاعملي .
ونحن والله في الأمنية فيا من قصرت في طاعة الله عز وجل اعمل للآخرة قبل أن تطلب العودة ولن تستطيع ، فكل من قصر في طاعة الله عز وجل في الدنيا يطلب العودة إليها كلما عاين أمور الآخرة وترك دار العمل إلي دار الحساب .
قال تعالي : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ) (المؤمنون:99)
وقال تعالي : ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ ) (السجدة:12)
وقال تعالي : ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِير) (فاطر: 37)
أسأل الله العظيم أن يختم لنا بالإيمان وأن يبعدنا عن النيران وأن يدخلنا جنة الرحيم الرحمن إنه ولي ذلك والقادر عليه .
…… الدعاء
(1) رواة البخاري (11/415) في الرقاق باب صفة الجنة والنار ، ومسلم في صفة الجنة .
(2) رواه الطبراني ورواته محتج بهم في الصحيح قاله المنذري في الترغيب (6/265) .
(3) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (1679)
(1) أخرجه الترمذى رقم (2494) في صفة القيامة باب رقم (48) وقال الترمذى : هذا حديث حسن وأخرجه ابن المبارك (52) في الزهد ، وأحمد (2/178) وابن أبي الدنيا (240) في الأهوال وابن أبي شيبة (9/90) والبغوى (4590) في شرح السنة ، والبخاري في الأدب المفرد والبيهقى في شعب الإيمان (8183)
(2) رواه البخاري (8/456) في تفسير سورة (ق) وفي الإيمان والنذور ، وفي التوحيد ، ومسلم رقم (2848) في الجنة ، باب النار يدخلها الجبارون ، والجنة يدخلها الضعفاء ، والترمذى رقم 3268 في التفسير باب ومن سورة (ق)
(3) قال المنذرى في الترغيب (6/229) : رواه أبو يعلى بإسناد علي شرط البخاري ومسلم .